لقد كرم الله الإنسان وفضله على كثير من خلقه
وجعله خليفة في الأرض وسخر له الكون كله بسمائه وأرضه
وما بينهما وطلب الله من الإنسان عمارة الأرض وإقامة الحق والعدل
وذلك يدل على أن الله أراد للإنسان أن يكون سيدا في هذا الكون ولكنه
في نفس الوقت عبد له فالله هو الذي خلقه فلابد أن يتذكر تلك الحقيقة
ولا ينسى عبوديته لله ولكن ليس معنى تلك العبودية المذلة والاحتقار
فقد أعطى الله له الحرية الكاملة لقبول طاعة الله أو عصيانه
وللإيمان أو الكفر به: }.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...
( الكهف: 29).
لم يجبر الخالق سبحانه وتعالى الإنسان على اختيار عقيدته
وجعله حرا فهو دائما في موقف اختيار لذا فهو مسؤول عن أفعاله
كما جاء في القرآن الكريم: } من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها
وما ربك بظلام للعبيد { ( فصلت:46 ).
النفخة الروحية الإلهية
ومن تكريم الله للإنسان أن خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه
فقد كرمه الله بالروح العلوي الذي أودعه الله بين جنبيه فهو
قبس من نور الله ونفخة من روح الله استحق به أن تنحني له الملائكة
إجلالا وإكبارا لمقدمه بأمر الله: } إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا
مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ
ص:71ــ72
وهذا التكريم للنوع الإنساني فقد ميز الله الإنسان بعدة مواهب
من العقل والعلم والروح كما استخلفه في الأرض
وتكمن في النفخة الروحية الإلهية سر العلاقة الحميمة بين الله والإنسان
فكل فرد من أفراد الإنسان يحمل في داخله شيئا من هذه النفخة الإلهية
التي تشعر الإنسان بأن الله معه في كل زمان ومكان
الله قريب من الإنسان
ويبين لنا القرآن الكريم أن الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد
وأنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهو رحيم بعبادة
فهو أرحم الراحمين وهو الذي يرزق ويهدي إلى صراط مستقيم
وهو الذي يطعم ويشفي المرضى وهو الذي ينزل من السماء ماء طهورا
يسقي به الناس والأنعام وينبت به الزرع ويخرج به مختلف الثمار
كي ينعم الإنسان بحياته على الأرض فالله رحيم بنا
يسير الكون لخدمتنا ويسخر كل ما فيه من أجل سعادة الإنسان
وهو أرحم بنا من الأم على ولدها
وهذا ما يشعر به كل مسلم في أعماق نفسه