نسمة هدوء مراقبة عامه
رقم العضوية : 98 عدد المساهمات : 14380 العمر : 39
| موضوع: ثَمَنُ الطّمُوح الأربعاء نوفمبر 09, 2016 5:23 am | |
| قال أحد الحكماء : إذا رضي عني جميع الناس فإنني أعدُّ ذلك شهادةَ قدحٍ بحقي وليست شهادةَ مدح !
وقيل لأحد الشعراء : إن فلانًا يعيبُ قصيدتَك ؟
فتمثل : لن تعدمَ الحسناءُ ذامًا !
وقال أبو مسلم الخرساني في مجلسهِ بخراسان ومن حوله عِلْيَةُ القوم : من هو ألأمُ عرض ؟
فقال الحاضرون في ذلك وأكثروا ، فقال لهم : لا ! ليس فيما ذهبتم إليه ، فإن ألئمَ ألأم عِرْضٍ ، عِرْضٌ لم يرتعْ فيه مدحٌ ولا ذمّ !
فالذي يحمل ثمنُه قيمة ، لابد وأن تجد له مؤيدا ومخالفا ، قال الشاعر : مدحتُ زهيرًا ثم إني هجوتُهُ ... "وما زالتِ الأشرافُ تُهجى وتُمدَحُ "
وقال أبو الطيب :
لايسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى .... حتى يُراقَ على جوانِبِهِ الدّمُ !
ولا نجاح إلا وله ضريبة يختلف ثمنها باختلاف هممٍ تغلي بصدور أصحابها ولابد من دفع هذا الثمن ، وربما كانت هذه الضريبة من الصحة أو الوقت أو التجريح أو الانتقاص وهذه الضريبة الكبرى ، والعاقل من تطيب نفسه بهذه الضريبة ، معتبرًا إياها وسامًا على صدره ، مفاده أن نجاحه مؤثر ، وهذا أمر معلوم من العقل بالضرورة فإن الأنبياء ـ وهم صفوة الخلق ـ والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ والعلماءَ ونبلاءَ العقل البشري لم يسلموا خلال مسيرة نجاحهم من عواء حقود ولا نباح حسود !
ومَن ذا الذي تُرْضى سجاياهُ كلُّها ... كفى المرءُ نُبْلًا أنْ تُعَدَّ معايِبُهْ !
فالمقصود .. أن من الناس من هو مريض بمرض "معاداة النجاح" ، تصيبه عند ذكر النجاحات المشرقة حساسية مفرطة ، تبدو آثارها على صفحاتِ وجهِه وفلتاتِ لسانِه ، فلا تجده يثني على أحد ثناءً صادقًا وإن أثنى فلربما رجاء مصلحةٍ ما ، فتجده غالبًا موكلًا بالتربص وراء كل ناجحٍ يتصيّد سقطاتِه ، فإن لم يجد ما يصطاده اختلق و زوّر ما يشفي غليلَ هواه المنتكس .
ولكن الإنسان الناجح حقًا يملك من الثقة بنفسه وقدراته وأدوات تَمَيُّزِه ما يجعله يصبر ويكافح في سبيل الوصول إلى طموحه ، وسينال ذلك بعد توفيق الله ، وأما إنْ التفت أثناء سيره لرشق سهامهم الهزيلة التي تسقط أسبقها على آثار أقدامه البارحة ، محاولًا التصدي لها رغم علمه بضعفها وهوانها ، فبشره بضياع الوقت وتشتت الذهن ! ومما يجب أن لا يَسْتَغرِب منه الإنسان الناجح أنْ ربما كان مَن وُكِّل بالتقليل والتهوين من نجاحه أحد أقرب الأصدقاء أو من صميم الأقرباء !!
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً ... على النفسِ من وقعِ الحسامِ المهندِ
وسبب ذلك ببساطة أن الناجح غالبًا ما يكون أمامهم ، فكما قيل : شاعر الحي لايطرب ، وليس في القريب ظرافةُ الغريب ، ولأن أزهد أُناس في عالم جيرانه ، أو لأنهم لا يريدونه أن يكون أفضل منهم بحال من الأحوال ، فإن من الأقاربِ كما قِيْلَ عقاربَ ، أو لأسباب أخرى يطول شرحها .
ولله درُّ المتنبي حين قال :
وإذا أتتكَ مذمتي من ناقصٍ ... فهيَ الشهادةُ لي بأني كاملُ !
فإذا علمت أن هذا هو ديدن كل فاشلٍ عاطلٍ متكاسل ، فاعلم أن لهم صفاتٍ مشتركة لا يخطئها متفرس ، سنذكر بعضًا منها :
أولًا : الكسل والعجز ! صفتان استعاذ منهما محمد صلَّ الله عليه وسلم ، ولك أن تتخيل .. تمرعلى أحدهم فتراه على حال سيئة ، ثم تغيب عنه عقدًا من الزمان فإن رجعت إليه وجدته على حال تركته عليها وربما أسوأ ، فهم لا يعملون ولا يريدون من أحد أن يعمل لأنه بتفوقه يكشف عن حجم خيبتهم وعجزهم فيفتضحوا ، فلهذا يقللون من قدر أي نجاح إذا لم يستطيعوا نسفه من أساسه . وثانيًا : الحسد ! تجد داء الحسد متفشيا فيهم ، وقديمًا كان في الناس الحسد ، فالحسود لا يرضيه إلا زوال نعمتك فقط ، ولكنه مسكين يقتل نفسه من حيث لا يحتسب ، واعلم لو أن نجاحك لم يؤثر فيه لم يحسدْك ، قال الشاعر :
وشكوت من ظلمِ الوشاة ولن تجدْ ... ذا سُؤددٍ إلا أُصِيْبَ بحُسَّدِ لا زلتَ يا سِبْطَ الكرامِ محسّدًا ... والتافــهُ المسكين ُ غيرَ مُحسّدِ
واعلم أيضًا أنَّ من الحسد ما يصيَّره الله نعمة يسبغها على من يشاء من عباده ، فيفوح منها أريجُ مكارمِه ، وشذا فضائلِه ، كما قال أبو تمام : وإذا أراد اللهُ نشرَ فضيلةٍ ... طُوِيَتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ ... ما كان يُعْرَفُ طِيْبُ عَرْفِ العودِ!
وثالثًا : الكبر ! تجد صفة الكِبر واضحةً فيهم وهم بهذه الصفه الذميمة والمكروهة شرعًا وعقلًا ومروءةً ونبلًا يحاولون أن يخبئوا في شخصيتهم شيئًا من النقص المتفشي فيها ولكن هيهات ! (وهل يخفى الصبحُ على ذي عينين) ؟ .
ورابعًا : قلة المروءة ! فلا تجد من هذه صفته فاضلًا أبدًا ، إذ إن الفضيلة تقتضي : الثقة بالنفس .. والثناء على من يستحق الثناء من الناس .. وحب الخير للخلق.. وعدم الرضا بسفاسف الأخلاق وهذه صفاتٌ معدومة عنده . وأخيرًا : قلة البركة ! تجد أحدهم قليل البركة في ماله وصحته وأهله غالبًا ، وهذا من الله جزاءً وفاقا ! لأن مَن تأمل في أمر [الحسد] وجد أنه يتضمن الاعتراض على قدر الله وفضله ، ومن تأمل [الكِبر] وجده في الحقيقة منازعة لصفة الرب جل وعلا فمن أسمائه المتكبر. بعد ما سبق تقريره ثق تمامًا أن داء السخرية من الطموح والتهوين من النجاح داءٌ متأصلٌ في البشرية منذ القدم ؛ فإنك متى استيقنت هذا الأمر لم يكبر في صدرِك ما نالَك منهم ، لذلك وطِّن نفسك على هوان عوائِهم البعيد وستجد في ذلك راحةَ بالٍ هادئة هانئة ، وقد قيل من وطَّن نفسه على أمر هان عليه ، معتبرًا تهوينهم وسخريتهم وسامًا رفيعًا لنجاحِك المؤثِّر، فمتى ما كنتَ بين قادح ومادح .. فاعلم بأنك ناجح .
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَهُ .. فالكلُّ أعداءٌ له وخصومُ كضرائر الحسناءِ قُلْنَ لوجهِها .. حسدًا وبغضًا إنه لدميمُ !
وهذا من علامات النجاح ، لذلك لا تجد من نبغ بشيء إلا وله حظٌ من ذلك ، فإن كان نقدًا بنّاءًا فخذه واشكر صاحبه لأنه نبهك على حقيقة غابت عنك ، وإن كان غير هذا فلا تلتفت لطنينهم ، وانظر كم بقي من المسافة وامضِ في طريقك وأنت تحدو :
أَوَكُلما طنَّ الذُّبابُ زجرتُهُ ... إن الذبابَ إذن عليَّ عزيزُ ! أَوَكُلما طنَّ الذبابُ زجرتهُ .... أَوَكُلما طنَّ الذُّبابُ ......
| |
|
عبادى المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 9188
| |
نسمة هدوء مراقبة عامه
رقم العضوية : 98 عدد المساهمات : 14380 العمر : 39
| موضوع: رد: ثَمَنُ الطّمُوح الأربعاء نوفمبر 09, 2016 9:34 pm | |
| | |
|