هكذا عاشوا مع القرآن

قال ابن الجوزي: ضاق بي أمرٌ أوجبَ غمًا لازمًا دائمًا، وأخذتُ أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقًا للخلاص، فعرضت لي هذه الآية: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) }[الطلاق]، فعلمتُ أن التقوى سببٌ للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدتُ المخرج. [صيد الخاطر (303)]

عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت فُضيلًا يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد –صلى الله عليه وسلم-، وهو يبكي ويردد هذه الآية: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) }[محمد]، وجعل يقول: { وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }، ويردد: وتبلو أخبارنا، إن بَلَوتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكت أستارنا! إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا! ويبكي. [التوابين/ لابن قدامة، ص224]

أخذ أحد الصالحين يبكي لما قرأ قوله تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } [آل عمران]، فقيل له: لقد أبكتكَ آية ما مثلُها يُبكي! إنها جنةٌ عريضةٌ واسعةٌ، فقال: يا ابن أخي؛ وما ينفعني عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم. [صفقات رابحة/ خالد أبو شادي، ص142]

عن الحارث بن سعيد قال: كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارئ يقرأ: { إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) }[الزلزلة] جعل مالك ينتفض وأهل المجلس يبكون حتى انتهى إلى هذه الآية: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) } [الزلزلة] فجعل مالكٌ واللهِ يبكي ويشهق حتى غُشيَ عليه، فحمل بين القوم مغشيًا عليه. [صفة الصفوة (3/71)]

كان جعفر بن حَربٍ يتقلد كبار الأعمال للسلطان، وكانت وظيفته تقارب وظيفة الوزارة، فاجتاز يومًا راكبًا في موكبٍ عظيمٍ فسمع رجلًا يقرأ: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ }[الحديد:16]؛ فصاح: اللهم بلى، يُكررها، ثم بكى وتاب وردَّ المظالم التي كانت عليه، وانقطع للعلم والعبادة حتى مات. [صفة الصفوة (3/39)]

كان الحسن البصري رحمه الله يردد في ليلة قوله تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا } [إبراهيم:34، والنحل:18]، فقيل له في ذلك: فقال: إن فيها لمُعتبرًا، ما نرفع طَرْفًا ولا نرده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمه من نعم الله أكثر. [رهبان الليل/ سيد العفاني (2/73)]

خرج هارون الرشيد يومًا من مجلس الإمارة فاعترضه يهودي وقال له: اتق الله، فنزل هارون من على دابته وسجد على الأرض، فقال له أتباعه: إنه يهودي، قال هارون: اتق الله! { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) }[البقرة] [تدبر القرآن/سعيد عبدالعظيم، ص6]

وها هو الإمام أحمد – عليه رحمةُ الله – في مجلسه وبين تلاميذه؛ ويأتي سفيه من السفهاء فيسبه ويشتمه ويُقذِعه بالسب والشتم، فيقول له طلابه وتلاميذه: يا أبا عبدالله؛ رُدَّ على هذا السفيه، قال: لا والله؛ فأين القرآن إذًا؟ { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) } [الفرقان] [هكذا علمتني الحياة2/ علي بن عبدالخالق القرني]
كان بإمكانه رحمه الله أن يرد عليه وما مَنَع طلابه الانبراء له برد هو ما اعتادوا عليه من علمهم السابق بمنهج الشيخ رحمه الله في عدم مماراة هذا الصنف من الناس امتثالًا لهذه الآية العظيمة!

أميرة بأخلاقي وذكائي كتب:

جزاك الله عنا ألف خير وبارك فيك
مشكورة  @هاجر الجوهرة
استفدت منك الكثيرر
رب يسعدك ويبارك فيك